الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **
صلاة الاستسقاء سنة مؤكدة, ثابتة بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وخلفائه رضي الله عنهم. قال أبو القاسم -رحمه الله-: [وإذا أجدبت الأرض, واحتبس القطر خرجوا مع الإمام فكانوا في خروجهم, كما روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه كان إذا خرج إلى الاستسقاء خرج متواضعا متبذلا, متخشعا متذللا متضرعا] وجملة ذلك أن السنة الخروج لصلاة الاستسقاء على هذه الصفة المذكورة, متواضعا لله تعالى متبذلا أي في ثياب البذلة, أي لا يلبس ثياب الزينة ولا يتطيب لأنه من كمال الزينة, وهذا يوم تواضع واستكانة ويكون متخشعا في مشيه وجلوسه في خضوع, متضرعا لله تعالى متذللا له راغبا إليه قال ابن عباس: (خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم- للاستسقاء متبذلا, متواضعا متخشعا متضرعا, حتى أتى المصلى فلم يخطب كخطبتكم هذه ولكن لم يزل في الدعاء والتضرع والتكبير, وصلى ركعتين كما كان يصلي في العيد) قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح ويستحب التنظيف بالماء واستعمال السواك وما يقطع الرائحة ويستحب الخروج لكافة الناس, وخروج من كان ذا دين وستر وصلاح والشيوخ أشد استحبابا لأنه أسرع للإجابة فأما النساء فلا بأس بخروج العجائز, ومن لا هيئة لها فأما الشواب وذوات الهيئة فلا يستحب لهن الخروج, لأن الضرر في خروجهن أكثر من النفع ولا يستحب إخراج البهائم لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- لم يفعله وإذا عزم الإمام على الخروج استحب أن يعد الناس يوما يخرجون فيه ويأمرهم بالتوبة من المعاصي, والخروج من المظالم والصيام والصدقة, وترك التشاحن ليكون أقرب لإجابتهم فإن المعاصى سبب الجدب والطاعة تكون سببا للبركات, قال الله تعالى: قال: [فيصلى بهم ركعتين] لا نعلم بين القائلين بصلاة الاستسقاء خلافا في أنها ركعتان واختلفت الرواية في صفتها فروى أنه يكبر فيهما كتكبير العيد سبعا في الأولى, وخمسا في الثانية وهو قول سعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز وأبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم, وداود والشافعي وحكي عن ابن عباس وذلك لقول ابن عباس في حديثه: وصلى ركعتين كما كان يصلي في العيد وروى جعفر بن محمد, عن أبيه (, أن النبي - صلى الله عليه وسلم- وأبا بكر وعمر كانوا يصلون صلاة الاستسقاء, يكبرون فيها سبعا وخمسا) والرواية الثانية أنه يصلي ركعتين كصلاة التطوع وهو مذهب مالك والأوزاعي, وأبي ثور وإسحاق لأن عبد الله بن زيد قال: استسقى النبي - صلى الله عليه وسلم- فصلى ركعتين وقلب رداءه متفق عليه وروى أبو هريرة نحوه ولم يذكر التكبير, وظاهره أنه لم يكبر وهذا ظاهر كلام الخرقي وكيفما فعل كان جائزا حسنا وقال أبو حنيفة: لا تسن الصلاة للاستسقاء, ولا الخروج لها لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- (استسقى على المنبر يوم الجمعة ولم يصل لها) واستسقى عمر بالعباس ولم يصل وليس هذا بشيء فإنه قد ثبت بما رواه عبد الله بن زيد, وابن عباس وأبو هريرة أنه خرج وصلى وما ذكروه لا يعارض ما رووه, لأنه يجوز الدعاء بغير صلاة وفعل النبي - صلى الله عليه وسلم- لما ذكروه لا يمنع فعل ما ذكرناه بل قد فعل النبي - صلى الله عليه وسلم- الأمرين قال ابن المنذر: ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم- صلى صلاة الاستسقاء, وخطب وبه قال عوام أهل العلم إلا أبا حنيفة وخالفه أبو يوسف ومحمد بن الحسن, فوافقا سائر العلماء والسنة يستغنى بها عن كل قول ويسن أن يجهر بالقراءة لما روى عبد الله بن زيد قال: (خرج النبي - صلى الله عليه وسلم- يستسقي, فتوجه إلى القبلة يدعو وحول رداءه ثم صلى ركعتين, جهر فيهما بالقراءة) متفق عليه وإن قرأ فيهما ب ولا يسن لها أذان ولا إقامة ولا نعلم فيه خلافا وقد روى أبو هريرة قال (خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يوما يستسقى فصلى بنا ركعتين, بلا أذان ولا إقامة ثم خطبنا ودعا الله تعالى, وحول وجهه نحو القبلة رافعا يديه وقلب رداءه, فجعل الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن) رواه الأثرم ولأنها صلاة نافلة فلم يؤذن لها كسائر النوافل قال أصحابنا: وينادى لها: الصلاة جامعة كقولهم في صلاة العيد والكسوف . وليس لصلاة الاستسقاء وقت معين, إلا أنها لا تفعل في وقت النهى بغير خلاف لأن وقتها متسع فلا حاجة إلى فعلها في وقت النهى والأولى فعلها في وقت العيد لما روت عائشة, أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- خرج حين بدا حاجب الشمس رواه أبو داود ولأنها تشبهها في الموضع والصفة فكذلك في الوقت لأن وقتها لا يفوت بزوال الشمس, لأنها ليس لها يوم معين فلا يكون لها وقت معين وقال ابن عبد البر: الخروج إليها عند زوال الشمس عند جماعة العلماء, إلا أبا بكر بن حزم وهذا على سبيل الاختيار لا أنه يتعين فعلها فيه. قال: [ثم يخطب ويستقبل القبلة] اختلفت الرواية في الخطبة للاستسقاء, وفي وقتها والمشهور أن فيها خطبة بعد الصلاة قال أبو بكر: اتفقوا عن أبي عبد الله أن في صلاة الاستسقاء خطبة وصعودا على المنبر والصحيح أنها بعد الصلاة وبهذا قال مالك, والشافعي ومحمد بن الحسن قال ابن عبد البر: وعليه جماعة الفقهاء لقول أبي هريرة: صلى ركعتين ثم خطبنا ولقول ابن عباس: صنع في الاستسقاء, كما صنع في العيدين ولأنها صلاة ذات تكبير فأشبهت صلاة العيد والرواية الثانية أنه يخطب قبل الصلاة روى ذلك عن عمر, وابن الزبير وأبان بن عثمان وهشام بن إسماعيل, وأبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وذهب إليه الليث بن سعد وابن المنذر لما روى أنس وعائشة (أن النبي - صلى الله عليه وسلم- خطب وصلى) وعن عبد الله بن زيد قال: (رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم- خرج يستسقى فحول ظهره إلى الناس, واستقبل القبلة يدعو ثم حول رداءه ثم صلى ركعتين, جهر فيهما بالقراءة) متفق عليه وروى الأثرم بإسناده عن أبي الأسود قال: أدركت أبان بن عثمان, وهشام بن إسماعيل وعمر بن عبد العزيز وأبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم كانوا إذا أرادوا أن يستسقوا, خرجوا للبراز فكانوا يخطبون ثم يدعون الله, ويحولون وجوههم إلى القبلة حين يدعون ثم يحول أحدهم رداءه من الجانب الأيمن على الأيسر وما على الأيسر على الأيمن, وينزل أحدهم فيقرأ في الركعتين يجهر بهم الرواية الثالثة هو مخير في الخطبة قبل الصلاة وبعدها لورود الأخبار بكلا الأمرين, ودلالتها على كلتا الصفتين فيحتمل أن النبي - صلى الله عليه وسلم- فعل الأمرين والرابعة أنه لا يخطب, وإنما يدعو ويتضرع لقول ابن عباس: لم يخطب كخطبتكم هذه لكن لم يزل في الدعاء والتضرع وأيا ما فعل من ذلك فهو جائز لأن الخطبة غير واجبة على الروايات كلها, فإن شاء فعلها وإن شاء تركها والأولى أن يخطب بعد الصلاة خطبة واحدة لتكون كالعيد وليكونوا قد فرغوا من الصلاة إن أجيب دعاؤهم فأغيثوا, فلا يحتاجون إلى الصلاة في المطر وقول ابن عباس: لم يخطب كخطبتكم هذه نفى للصفة لا لأصل الخطبة أي لم يخطب كخطبتكم هذه إنما كان جل خطبته الدعاء والتضرع والتكبير. قال: [ويستقبل القبلة ويحول رداءه فيجعل اليمين يسارا واليسار يمينا, ويفعل الناس كذلك] وجملته أنه يستحب للخطيب استقبال القبلة في أثناء الخطبة لما روى عبد الله بن زيد (أن النبي - صلى الله عليه وسلم- خرج يستسقى فتوجه إلى القبلة يدعو) رواه البخاري وفي لفظ: (فحول إلى الناس ظهره واستقبل القبلة يدعو) ويستحب أن يدعو سرا حال استقبال القبلة, فيقول: اللهم إنك أمرتنا بدعائك ووعدتنا إجابتك فقد دعوناك كما أمرتنا, فاستجب لنا كما وعدتنا اللهم فامنن علينا بمغفرة ذنوبنا وإجابتنا في سقيانا, وسعة أرزاقنا ثم يدعو بما شاء من أمر دين ودنيا وإنما يستحب الإسرار ليكون أقرب من الإخلاص وأبلغ في الخشوع والخضوع والتضرع وأسرع في الإجابة, قال الله تعالى: فصل ويستحب رفع الأيدي في دعاء الاستسقاء لما روى البخاري, عن أنس قال: (كان النبي - صلى الله عليه وسلم- لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا الاستسقاء, وأنه يرفع حتى يرى بياض إبطيه) وفي حديث أيضا لأنس: (فرفع النبي - صلى الله عليه وسلم- ورفع الناس أيديهم ).
مسألة قال: [ويدعو ويدعون ويكثرون في دعائهم الاستغفار] وجملته أن الإمام إذا صعد المنبر جلس, وإن شاء لم يجلس لأن الجلوس لم ينقل ولا ها هنا أذان ليجلس في وقته ثم يخطب خطبة واحدة, يفتتحها بالتكبير وبهذا قال عبد الرحمن بن مهدى وقال مالك والشافعي: يخطب خطبتين كخطبتى العيدين لقول ابن عباس: صنع النبي - صلى الله عليه وسلم- كما صنع في العيد ولأنها أشبهتها في التكبير, وفي صفة الصلاة فتشبهها في الخطبتين ولنا قول ابن عباس: لم يخطب كخطبتكم هذه, ولكن لم يزل في الدعاء والتضرع والتكبير وهذا يدل على أنه ما فصل بين ذلك بسكوت ولا جلوس ولأن كل من نقل الخطبة لم ينقل خطبتين ولأن المقصود إنما هو دعاء الله تعالى ليغيثهم ولا أثر لكونها خطبتين في ذلك, والصحيح من حديث ابن عباس أنه قال: صلى ركعتين كما كان يصلي في العيد ولو كان النقل كما ذكروه فهو محمول على الصلاة, بدليل أول الحديث ويستحب أن يستفتح الخطبة بالتكبير كخطبة العيد ويكثر من الاستغفار والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم- ويقرأ كثيرا: وهل من شرط هذه الصلاة إذن الإمام؟ على روايتين: إحداهما, لا يستحب إلا بخروج الإمام أو رجل من قبله قال أبو بكر: فإذا خرجوا بغير إذن الإمام دعوا وانصرفوا بلا صلاة ولا خطبة نص عليه أحمد وعنه أنهم يصلون لأنفسهم, ويخطب بهم أحدهم فعلى هذه الرواية يكون الاستسقاء مشروعا في حق كل أحد مقيم ومسافر وأهل القرى, والأعراب لأنها صلاة نافلة فأشبهت صلاة الكسوف ووجه الرواية الأولى أن النبي - صلى الله عليه وسلم- لم يأمر بها, وإنما فعلها على صفة فلا يتعدى تلك الصفة وهو أنه صلاها بأصحابه, وكذلك خلفاؤه ومن بعدهم فلا تشرع إلا في مثل تلك الصفة. ويستحب أن يستسقى بمن ظهر صلاحه لأنه أقرب إلى إجابة الدعاء فإن عمر رضي الله عنه استسقى بالعباس عم النبي - صلى الله عليه وسلم- قال ابن عمر: استسقى عمر عام الرمادة بالعباس, فقال: اللهم إن هذا عم نبيك - صلى الله عليه وسلم- نتوجه إليك به فاسقنا فما برحوا حتى سقاهم الله عز وجل وروى أن معاوية خرج يستسقى فلما جلس على المنبر قال: أين يزيد بن الأسود الجرشى؟ فقام يزيد, فدعاه معاوية فأجلسه عند رجليه ثم قال: اللهم إنا نستشفع إليك بخيرنا وأفضلنا يزيد بن الأسود, يا يزيد ارفع يديك فرفع يديه ودعا الله تعالى, فثارت في الغرب سحابة مثل الترس وهب لها ريح فسقوا حتى كادوا لا يبلغون منازلهم واستسقى به الضحاك مرة أخرى. قال : [فإن سقوا وإلا عادوا في اليوم الثاني والثالث] وبهذا قال مالك، والشافعي. وقال إسحاق: لا يخرجون إلا مرة واحدة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخرج إلا مرة واحدة، ولكن يجتمعون في مساجدهم، فإذا فرغوا من الصلاة ذكروا الله تعالى، ودعوا ويدعو الإمام يوم الجمعة على المنبر، ويؤمن الناس. ولنا أن هذا أبلغ في الدعاء والتضرع ، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (إن الله يحب الملحين في الدعاء). وأما النبي فلم يخرج ثانيا ؛ لاستغنائه عن الخروج بإجابته أول مرة ، والخروج في المرة الأولى آكد مما بعدها ؛ لورود السنة به . وإن تأهبوا للخروج, فسقوا قبل خروجهم لم يخرجوا وشكروا الله على نعمته, وسألوه المزيد من فضله وإن خرجوا فسقوا قبل أن يصلوا صلوا شكرا لله تعالى, وحمدوه ودعوه ويستحب الدعاء عند نزول الغيث لما روى أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: (اطلبوا استجابة الدعاء عند ثلاث: عند التقاء الجيوش وإقامة الصلاة ونزول الغيث) وعن عائشة رضي الله عنها (, أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان إذا رأى المطر, قال: صيبا نافعا) رواه البخاري. ويستحب أن يقف في أول المطر ويخرج رحله ليصيبه المطر لما روى أنس (, أن النبي - صلى الله عليه وسلم- لم ينزل عن منبره حتى رأينا المطر يتحادر عن لحيته) رواه البخاري وعن ابن عباس أنه كان إذا أمطرت السماء قال لغلامه أخرج رحلى وفراشى يصبه المطر ويستحب أن يتوضأ من ماء المطر إذا سال السيل لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم- (أنه كان إذا سال السيل يقول: اخرجوا بنا إلى هذا الذي جعله الله طهورا, فنتطهر ). ويستحب أن يستسقوا عقيب صلواتهم ويوم الجمعة يدعو الإمام على المنبر ويؤمن الناس قال القاضي: الاستسقاء ثلاثة أضرب, أكملها الخروج والصلاة على ما وصفنا ويليه استسقاء الإمام يوم الجمعة على المنبر لما روى (أن رجلا دخل المسجد يوم الجمعة ورسول الله - صلى الله عليه وسلم- يخطب فاستقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قائما, ثم قال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يغثنا فرفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يديه, فقال: اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا) (قال أنس: ولا والله ما يرى في السماء من سحاب ولا قزعة ولا شيء, وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس فلما توسطت السماء, انتشرت ثم أمطرت فلا والله ما رأينا الشمس ستا ثم دخل من ذلك الباب رجل في الجمعة المقبلة, ورسول الله - صلى الله عليه وسلم- يخطب فاستقبله قائما وقال يا رسول الله, هلكت المواشى وانقطعت السبل فادع الله أن يمسكها عنا قال فرفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يديه, وقال: اللهم حوالينا ولا علينا اللهم على الظراب والآكام وبطون الأودية ومنابت الشجر قال: فانقطعت وخرجنا نمشى في الشمس) متفق عليه والثالث أن يدعو الله تعالى عقيب صلواتهم, وفي خلواتهم. وإذا كثر المطر بحيث يضرهم أو مياه العيون دعوا الله تعالى أن يخففه ويصرف عنهم مضرته, ويجعله في أماكن تنفع ولا تضر كدعاء النبي - صلى الله عليه وسلم- في الفصل الذي قبل هذا ولأن الضرر بزيادة المطر أحد الضررين, فيستحب الدعاء لإزالته كانقطاعه. قال: [وإن خرج معهم أهل الذمة لم يمنعوا وأمروا أن يكونوا منفردين عن المسلمين] وجملته أنه لا يستحب إخراج أهل الذمة لأنهم أعداء الله الذين كفروا به وبدلوا نعمته كفرا فهم بعيدون من الإجابة, وإن أغيث المسلمون فربما قالوا: هذا حصل بدعائنا وإجابتنا وإن خرجوا لم يمنعوا لأنهم يطلبون أرزاقهم من ربهم فلا يمنعون من ذلك ولا يبعد أن يجيبهم الله تعالى لأنه قد ضمن أرزاقهم في الدنيا, كما ضمن أرزاق المؤمنين ويؤمروا بالانفراد عن المسلمين لأنه لا يؤمن أن يصيبهم عذاب فيعم من حضرهم, فإن قوم عاد استسقوا فأرسل الله عليهم ريحا صرصرا فأهلكتهم فإن قيل: فينبغي أن يمنعوا الخروج يوم يخرج المسلمون لئلا يظنوا أن ما حصل من السقيا بدعائهم قلنا: ولا يؤمن أن يتفق نزول الغيث يوم يخرجون وحدهم, فيكون أعظم لفتنتهم وربما افتتن غيرهم بهم. قال: [ومن ترك الصلاة وهو بالغ عاقل, جاحدا لها أو غير جاحد دعى إليها في وقت كل صلاة, ثلاثة أيام فإن صلى وإلا قتل] وجملة ذلك أن تارك الصلاة لا يخلو إما أن يكون جاحدا لوجوبها, أو غير جاحد فإن كان جاحدا لوجوبها نظر فيه فإن كان جاهلا به, وهو ممن يجهل ذلك كالحديث الإسلام والناشئ ببادية, عرف وجوبها وعلم ذلك ولم يحكم بكفره لأنه معذور وإن لم يكن ممن يجهل ذلك, كالناشئ من المسلمين في الأمصار والقرى لم يعذر ولم يقبل منه ادعاء الجهل, وحكم بكفره لأن أدلة الوجوب ظاهرة في الكتاب والسنة والمسلمون يفعلونها على الدوام فلا يخفى وجوبها على من هذا حاله, فلا يجحدها إلا تكذيبا لله تعالى ولرسوله وإجماع الأمة وهذا يصير مرتدا عن الإسلام وحكمه حكم سائر المرتدين, في الاستتابة والقتل ولا أعلم في هذا خلافا وإن تركها لمرض أو عجز عن أركانها وشروطها, قيل له: إن ذلك لا يسقط الصلاة وإنه يجب عليه أن يصلي على حسب طاقته وإن تركها تهاونا أو كسلا دعي إلى فعلها, وقيل له: إن صليت وإلا قتلناك فإن صلى وإلا وجب قتله ولا يقتل حتى يحبس ثلاثا, ويضيق عليه فيها ويدعى في وقت كل صلاة إلى فعلها ويخوف بالقتل, فإن صلى وإلا قتل بالسيف وبهذا قال مالك وحماد بن زيد, ووكيع والشافعي وقال الزهري: يضرب ويسجن وبه قال أبو حنيفة قال: ولا يقتل لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان أو زنا بعد إحصان, أو قتل نفس بغير حق) متفق عليه وهذا لم يصدر منه أحد الثلاثة فلا يحل دمه وقال النبي - صلى الله عليه وسلم-: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها) متفق عليه ولأنه فرع من فروع الدين فلا يقتل بتركه كالحج ولأن القتل لو شرع لشرع زجرا عن ترك الصلاة, ولا يجوز شرع زاجر تحقق المزجور عنه والقتل يمنع فعل الصلاة دائما فلا يشرع, ولأن الأصل تحريم الدم فلا تثبت الإباحة إلا بنص أو معنى نص والأصل عدمه ولنا قول الله تعالى: ومن ترك شرطا مجمعا على صحته أو ركنا, كالطهارة والركوع والسجود فهو كتاركها حكمه حكمه لأن الصلاة مع ذلك وجودها كعدمها وإن ترك مختلفا فيه, كإزالة النجاسة وقراءة الفاتحة والطمأنينة, والاعتدال بين الركوع والسجود أو بين السجدتين معتقدا جواز ذلك, فلا شيء عليه وإن تركه معتقدا تحريمه لزمه إعادة الصلاة ولا يقتل من أجل ذلك بحال لأنه مختلف فيه فأشبه المتزوج بغير ولي, وسارق مال له فيه شبهة والله أعلم.
|